كيف يمكن تصور المجتمع من دون التكاتف بين أفرادِه؟ ألا يبدو المشهد عبثيًا؟ فكأنما هي غابةٌ لا يشعر فيها الفرد بمعاناةِ مَن حولِه، ومن هنا جاءت تعاليم الإسلام لتغرس قيمة التكافل في نفوسِنا. في مقالِ اليوم سنتعرف على فضل التبرع بالمال وأثر ذلك على الفرد والمجتمع.
فضل التبرع بالمال
يُرَى فضلُ التبرعِ بالمال في صورٍ عديدة، إذ ينعكس على المتبرع والمحتاج في آنٍ واحد، مؤديًا بذلك إلى مجتمعٍ أكثر تراحمًا، وفيما يلي بيان لفضائل هذا العمل:
رفع البلاء
يتجلى فضل التبرع بالمال عندما يرفع الله به البلاء عن المتبرع، فقد روى علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بادروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها"، وفي ذلك تأكيدٌ صريحٌ على أن البلاء يقف عند الصدقة، أي إن الصدقةَ تتصدى له.
تعزيز البركة
مخالفًا لما يبدو عليه الأمر الدنيوي بأن التبرع بالمال يُنقِصه، فإن حقيقةَ الأمر أن الصدقةَ تُعد فرصةً لإنماءِ رؤوسِ الأموال، وهذا ما أوضحه لنا المولى عزل وجل في قولِه في سورة البقرة: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
الرسول الكريم أكد على هذا المعنى أيضًا حين قال: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ".
هذه التأكيدات الربانيةُ النبوية، تؤكد لنا أن فضل التبرع بالمال يعدو حدود المكاسب المادية، ذلك أنه يمنح صاحبَه أجرًا مضاعفًا في الدنيا والآخرة، فهكذا تُقاس الأمور بمقياسِ فضلِ الله على عبادِه المحسنين.
تزكية النفس
يقول الله تعالى في مُحكَم التنزيل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. تعكس هذه الآية فضل التبرع بالمال على المستوى الروحي.
تشير الآية إلى أن التبرع بالمال يطهر النفس من دنس الذنوب ويرفع العبد من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، وقد ذهب تفسير البغوي بأن المراد بالتزكية في هذه الآية هو عهد الله للمتبرعين بتنميةِ أموالِهم.
تطهير المال
الصدقةُ هي خيرُ وسيلةٍ لتطهيرِ مالِ العبد من الدخن الذي قد يطاله نتيجة اللغو، الحلف، الغفلة، أو الكذب، فقد أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم التجار قائلًا: "يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة".
تكفير السيئات
يساهم التبرع بالمال في تكفير السيئات التي ارتكبها العبد، وهو ما يؤدي إلى إطفاء غضب الله ونيل رضوانه، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر".
فضل التبرع بالمال حين تقوم الساعة
- على المؤمن ألا يستصغر تبرعه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة"، وفي ذلك تأكيدٌ واضح على أن المعروف مهما تضاءل، يبقى سببًا في وقاية العبد شر العذاب.
- من بين السبعةِ الذين يظلهم الله في ظلِّ عرشِه هو الرجلُ الذي تصدق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، كما أن للصدقةِ بابًا في الجنة يدخل منه المنفقون في سبيل الله.
كيف تحظى بفضل التبرع بالمال؟ أهم الشروط
- صدق النية: يجب أن يكون التصدق بنيةٍ خالصةٍ لوجه الله تعالى، فلا يجوز أن يشوب ذلك قدر من الرياء أو رغبةٌ في تلقِّي الثناء من الناس.
- التبرع بالمال الحلال: لا يقبل الله الصدقات التي يكون مصدرها محرمًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".
- عدم إتباع الصدقة بأذى: على المتبرع ألا يؤذي أخاه بما قدم إليه من صدقات، فقد قال الله عز وجل: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾.
- تحري الخفاء: من المحبذ أن يتبرع العبد في سريةٍ تامة حتى يحمي نفسه من شبهة الرياء، ولكن في بعض الحالات قد يُعلِن عن ذلك تشجيعًا لغيره على العطاء.
أثر التبرع بالمال على الفرد والمجتمع
يظهر أثر العمل التطوعي على الفرد والمجتمع في آنٍ معًا، حيث يشعر المتطوع بسعادةٍ خاصة نتيجة المساهمة في تحسين حياة الآخرين، فيما يصبح المجتمع أكثر تلاحمًا بعد دعم الفئات المحتاجة عبر توفير الخدمات الأساسية لهم ليعيشوا حياةً كريمة.
جهود المملكة في دعم العمل التطوعي
لا تتوقف جهود المملكة في العمل التطوعي، فقد تم تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة، ذلك الصرح العظيم الذي لا يكف عن تقديم المساعدات الإنسانية داخليًا وخارجيًا، كما دشنت المملكة العديد من الحملات لدعم الأسرة الفقيرة والمرضى الذين لا تسمح لهم أوضاعهم المالية بتحمل النفقات العلاجية.
حملات التبرع التابعة لجمعية الإحسان الطبية الخيرية
أطلقت جمعية الإحسان العديد من البرامج الخيرية لجمع التبرعات وتوجيهِها إلى الفئات المستحقة، وفيما يلي بيان لأبرز برامجها:
برنامج الصدقة الجارية
امنح نفسك أجرًا لا ينقطع من خلال برنامج الصدقة الجارية، ذلك الاستثمار الأبدي في الخير، حيث يتم تخصيص ريع الوقف لدعم المشروعات الصحية التي تخفف معاناة المرضى، وبذلك يدوم أثر عطائك بعد رحيلك.
برنامج سفير لنقل المرضى المحتاجين
برنامج سفير لنقل المرضى المحتاجين يمثل إحدى المبادرات الإنسانيةِ النبيلة، والتي تضمن وصول مرضى الفشل الكلوي إلى مراكز الغسيل بانتظام، إذ يحتاجون إلى 3 جلساتٍ أسبوعيًا. يوفر البرنامج وسيلةَ نقلٍ آمنة للمرضى من منازلهم النائية إلى مراكز العلاج والعكس.
برنامج سند للأجهزة الطبية
يهدف برنامج سند إلى تأمين ما يحتاجه المرضى من أجهزةٍ طبية ليعيشوا واقعهم اليومي بصورةٍ طبيعية، حيث تشمل هذه الأجهزة كلًّا من: الكراسي المتحركة، السماعات الطبية، أَسِرَّة الرعاية، وأجهزة الأكسجين.
حملة ثلاثية سنابل الإحسان
أمامك فرصةٌ عظيمة لمضاعفة أثر عطائك من خلال حملة ثلاثية سنابل الإحسان. تتيح لك الحملة 3 باقات خيرية لاختيار ما يناسبك، حيث تُخصَّص العائدات لتوفير التكاليف المرتبطة بالعمليات الجراحية، الأجهزة الطبية، والوقف، وبهذه الحملة تصل المساهمات للفئات الأشد احتياجًا.
أرقام الحسابات البنكية للتبرع بالمال لصالح جمعية الإحسان
- مصرف الراجحي: SA6580000119608010777470
- بنك البلاد: SA2115000999300001800038
- بنك الجزيرة: SA5660000000104433509001
في الختام، يمكن القول إن فضل التبرع بالمال يتجلى في الدنيا والآخرة، وقد أمرنا به الله ورسولُه نظرًا لفوائده العظيمة التي تعود على المتبرع والمستفيد في آنٍ واحد، فهو نقطةُ الانطلاق التي تُحدِث تغييرًا إيجابيًا، والتي تُقام عليها المجتمعاتُ المتراحمةُ السوية.